الذئبة الحُمامية المجموعية / الجهازية (Systemic Lupus Erythematosus) هي مرض التهابي ينجم عن إصابة ذاتية في الجهاز المناعي في اعضاء الجسم المختلفة (مرض مناعي ذاتي – Autoimmune disease). اسم هذا المرض مشتق من طفح جلدي أحمر فراشيّ الشكل (Butterfly rash) يظهر على الخدين وعلى جسر الأنف (حُمامية) فضلا عن التهاب في العديد من أجهزة وأعضاء الجسم (مجموعية).
كلمة الذئبة تعود إلى ظهور تقرحات على الجلد تشبه علامات العضّات، تمثل علامة نادرة على الجلد خاصة بهذا المرض. هذا المرض هو مرض مزمن، ولكن هنالك فترات يحصل فيها تحسّن واختفاء الآفات الجلدية وهذه الفترات تدعى فترات الهدوء (remissions) وأحيانا هنالك فترات تحصل فيها انتكاسات فينتشر خلالها المرض (نكس – Flare ، relapse – وهيج).
بينما يتجند الجهاز المناعي (Immune system) في جسم الإنسان المعافى لمحاربة الملوثات الخارجية، من جهة، والخلايا التي تحولت إلى خلايا سرطانية، من جهة أخرى، فإن الجهاز المناعي لدى المرضى المصابين بالذئبة الحمامية المجمعية، ولسبب غير معروف، يقوم بإنتاج أجسام مضادة (Antibodies) للحمض النووي الريبي المنزوع الأكسجين/ الدنا (Deoxyribonucleic acid – DNA)، بروتينات، دهون وكربوهيدرات، بينما تصيب الخلايا المناعية، بالمقابل، خلايا ومكوّنات الأنسجة المختلفة، أيضا، مما يجعل أي عضو في الجسم عرضة للإصابة.
تظهر الذئبة الحمامية المجمعية بنسب انتشار مختلفة في المجموعات العرقية المختلفة، تتراوح بين 15 وحتى 50 إصابة جديدة من بين كل 100،000 شخص، في كل سنة. وهذا المرض أكثر شيوعا بين الأشخاص ذوي البشرة السوداء وبين سكان منطقة الكاريبي. وينتشر المرض بين النساء أكثر منه بين الرجال بـ 9 أضعاف، وعادة ما تظهر العلامات الأولى للمرض لدى النساء في فترة الخصوبة. لا يوجد سبب واضح لهذا المرض ويبدو أن ثمة عوامل وراثية، بيئية (ملوثات مختلفة)، مع بيئة هرمونية مناسبة، يمكن أن تؤدي معا إلى ظهور المرض.
الذئبة الحمامية المجمعية يمكن أن تصيب مختلف أعضاء الجسم ومختلف الأجهزة، لكن الأكثر شيوعا هو الطفح الجلدي على سطح الجلد المكشوف للشمس، تساقط الشعر، القلاع (Aphthae) في مخاطية الفم (Oral mucosa)، التهاب المفاصل، التهاب الجنبة (Pleura)، التهاب الصفاق (Peritoneum) والتهاب كيس القلب التامور (Pericardium). إصابة خلايا الدم المختلفة هي امر شائع أيضا ويمكن أحيانا ملاحظة قلة الصفيحات الدموية (Thrombocytopenia) وقلة كريات الدم البيضاء (Leukopenia)، بالإضافة الى انحلال خلايا الدم (Hemolysis) الذي يحصل، على الأغلب، جراء وجود اجسام مضادة ترتبط بأغشية الخلايا. أما الإصابات الأكثر جدية وخطورة فهي تلك التي تحصل في الدماغ والكليتين، والتي يمكن أن تسبب حالات مرضية خطيرة، قد تصل إلى حد موت المريض.
ليس هنالك، تقريبا، أي مريض يصاب بمرض الذئبة الحمامية المجمعية من دون تأثير العملية الالتهابية على نسيج الكليتين لديه، لكن هذه الحقيقة تكتسب أهمية سريرية لدى نصف المصابين فقط.
بعض المصابين بالذئبة الحمامية المجمعية يصابون، بالمقابل، بمتلازمة مضاد الفوسفولبيد (متلازمة الأجسام المضادة للفوسفولبيد – Antiphospholipid syndrome) التي تتميز بكثرة تجلط الدم (التخثر) في الأوعية الدموية (Thrombosis) والإجهاض المتكرر.
الذئبة الحمامية المجمعية، الحمل والولادة:
عند النساء اللواتي أصبن بهذا المرض، وهو مرض نشط لديهن، تظهر في بعض الأحيان اضطرابات في انتظام مواعيد الحيض. ويسبب العلاج الذي يعطى لهذا المرض ضررا في الخصوبة لدى أولئك النساء. كما تظهر لدى المصابات بالذئبة الحمامية المجمعية نسبة مرتفعة من حالات الإجهاض، موت الجنين في داخل الرحم، تسمم الحمل والولادة المبكرة. ومن المعروف أيضا ان العديد من المصابات (حتى 60%) تحصل لديهن انتكاسات خلال فترة الحمل أو لدى الولادة. في بعض الأحيان، تتغلغل بعض الأجسام المضادة المُمرِضة إلى داخل المشيمة فتسبب ضررا للجنين قد يؤدي إلى انسداد في التوصيل الكهربائي في القلب، والى طفح جلدي مميز.
خصائص مخبرية:
“الأجسام المضادة الذاتية” هو اسم يطلق على المضادات التي ترتبط بمكونات ذاتية في جسم المريض وقد تم، حتى الان، تحديد اكثر من 120 نوعا من هذه المضادات في أمصال المرضى المصابين بالذئبة الحمامية المجمعية. والرأي السائد هو أن أحد الاختبارات النموذجية المميزة للذئبة الحمامية المجمعية هو وجود أضداد النوى (Antinuclear antibody)، وأضداد الحمض النووي (DNA)، والتي تظهر لدى (95%) من المصابين بهذا المرض. ولكن ينبغي توخي الحذر في تحديد التشخيص، نظرا لأن هذه الأضداد نفسها تظهر، أيضا، لدى المصابين بأمراض مناعية ذاتية أخرى. المضاد للبروتين (Sm) (بروتين حمضي ملتصق بمكونات في داخل نواة الخلية) هو مميز للذئبة الحمامية المجمعية، أي أنه لا يظهر تقريبا لدى أي مريض آخر، سوى لدى مرضى الذئبة الحمامية المجمعية، ولهذا فهو يشكل وسيلة مساعدة لتشخيص هذا المرض. لكن هذا المضاد تم اكتشافه لدى(20%) فقط من مرضى الذئبة الحمامية المجمعية.
ثمة علامات وتعبيرات أخرى تميز المصابين بالذئبة الحمامية المجمعية هي: ازدياد ترسب كريات الدم الحمراء، نشوء مركّبات مناعية تتكون من اضداد (Antibodies) ومستضدات (Antigens) في الدم المحيطي، مستوى منخفض من البروتينات التي تكون جملة المتممة (Complement System) والتي لها دور هام في عملية الالتهاب. لدى عدد كبير من المصابين، يمكن ملاحظة إصابة خلايا الدم المختلفة. عند إصابة الكلية بالالتهاب يتضرر أداؤها الوظيفي، أي تحصل زيادة ملحوظة في تركيز اليوريا (Urea) والكرياتين (Creatinine) في المصل، وأحيانا ينشأ تركيز عال من البروتين وخلايا الدم الحمراء والبيضاء في البول. لهذه البينات دلالة وأهمية كبيرتان، إذ تشير إلى وجود عملية التهاب الكبيبات الكلوية (Glomerulonephritis) التي تتم فيها تصفية الدم.
تشخيص الذئبة الحمامية الجهازية
وفقا للتعريف الذي وضعته الجمعية الأمريكية للروماتزم (Rheumatology)، فإن تشخيص إصابة المريض بمرض الذئبة الحمامية المجمعية يتم اعتمادا على وجود 4 خصائص، على الأقل، من بين 11 تميز هذا المرض: الطفح الجلدي الفراشي (Malar rash), الطفح الجلدي القرصي (Discoid rash)، الطفح الجلدي لحساسية الضوء (Photosensitivity)، تقرحات الغشاء المخاط الفموي (Oral ulcers)، التهاب المفاصل (Arthritis)، التهاب الأغشية التي تغطي الأعضاء الداخلية (Serositis)، اضطراب كلوي (Renal disorder)، اضطراب عصبي (Neurological disorder)، اضطراب في الجهاز الدموي (Hematological disorder)، مضاد ضد نواة الخلايا (Antinuclear antibody) واضطراب مناعي (Immunological disorder).
بما انه ليس هنالك اختبار واحد يمكن بواسطته تشخيص الذئبة الحمامية المجمعية، فقد حددت الجمعية الأمريكية للروماتزم (American College of Rheumatology – ACR) في العام 1982 مجموعة تتكون من 11 مؤشرا للمرض يدل وجود 4 منها، على الأقل، على الإصابة بهذا المرض.